من يصلح الملح اذا الملح فسد ؟
تزوج رجل من البدو فتاة من قبيلته ذات حسن وأدب وأخلاق ودين، ومضى عام على زواجه، ونشبت بينه وبين احد أبناء عمومته مشاجرة كبيرة، فقتله، ورحل مع زوجته بعيداً عن القرية وتوجه الى ديار قبيلة ثانية، وكان صاحبنا دائم الجلوس عند الشيخ في مجلسه , وفي احد الايام مر الشيخ من إمام بيت صاحبنا، وشاهد زوجته فسُحِر بجمالها، واستولت على لبه وعقله، وخطرت له فكرة شيطانية، وهي أن يبعد الزوج عن البيت، لينفرد بالزوجة، ويقضي منها وطرا.
كيد الشيطان
فعاد الى مجلسه، فدبر مكيدة يتخلص بها من هذا الرجل حتى ينفرد بزوجته، وقال ان هناك مكانا يقال عنه ان فيه ربيعا جميلا وأريد ان اختار منكم أربعة من الرجال ليتأكدوا منه، فاختار الرجل من بينهم، والمكان الذي ذكره يستغرق ثلاثة أيام ذهاب الفرسان وإيابهم، وعندما جاء الليل سار إلى بيت جيرانه حيث لم يكن فيه سوى المرأة وحيدة، وكانت نائمة، وقبل أن يصل ارتطم في العامود وأحدث صوتاً مرعبا لها، أفاقت المرأة على الصوت،
صاحت: من بالبيت؟، الشيخ: أنا فلان شيخ العرب اللي أنتم نازلين عنده، البدوية: حياك الله وماذا تريد يا شيخ العرب في مثل هذا الوقت؟، الشيخ: أذهلني جمالك عندما رأيتك، وسلبت عقلي وقلبي مني، وأريد قربك ووصالك، البدوية: لا مانع عندي بشرط، عندي لغز، إذا حليته أكون لك كما تريد
فقالت له البدوية: حتى لا يجيف اللحم (أي يتحول إلى جيفة) يرشون عليه الملح، فمن يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟ ولك أن تستعين بمن تريد، فإذا جئتني بالحل صرت لك كما تريد، الشيخ: أنصفتِ، وسآتيك بالحل في الليلة القادمة،
وأمضى الشيخ ليله يفكر بحل اللغز ولم يصل إلى نتيجة، وثاني يوم وكانوا الرجال جالسين في مجلسه، سأل الشيخ الجالسين وبصورة مفاجأة: حتى لا يجيف اللحم يرشون عليه الملح! من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟، وكل من رد من الحضور كان رده على قدر فهمه وعلمه، فلم يقتنع الشيخ برأي واحد منهم، وكان أحد الرجال المحنكين الدهاة أصحاب الفطنة والحكمة والعلم والأدب والدين موجودا في المجلس، لكنه لم يقل شيئا، وانصرف جميع من في المجلس إلا هو لم ينصرف، فقد بقي في المجلس، فصاح الشيخ في وجهه: أنت ما جاوبت على سؤالي.
قال له الرجل: أردت أن أكلمك على انفراد، فأصل اللغز بيت من الشعر قاله أبو سفيان الثوري، والبيت هو:
يا رجال العلم يا ملح البلد
من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد؟
وإن لم يخب ظني فإنك راودت امرأة عالية المقام في الذكاء والعلم والدين والأدب عن نفسها، فأرادت أن تصدك ولا تفضحك، وأن تكسبك كأخ لها ولا تخسرك وتزيد إلى أعدائها أعداء أهلها عدوا بحجمك ومقامك، وتحفظ بعلها إن غاب وإن حضر، وقد قالت لك ما قالت،
من يُصلِحُ الملحَ إذا الملحُ فسد ؟
فهي تقصد: إن الرجل من القبيلة إذا فسد أصلحه شيخ القبيلة كما يصلح الملحُ اللحم، فمن يصلح الشيخ إذا الشيخ فسد؟، وكأن هذه الإجابة أيقظت ضميره النائم، وقلبه الهائم، وأصابه الخجل الشديد من فعلته الشنعاء، وقال: أصبت كبد الحقيقة أيها المبجل! فاستر عليَّ زلتي سترك الله في الدنيا والآخرة.
منقول من موقع الشرق

